السبت، 30 يناير 2016

المركبة الفضائية " فيله " تهبط لأول مرة علي أحد المذنبات وتطلق الإنسان الألي " رشيد " حاملاً أجهزة بحث علمي أحدها إسمه " أوزيريس " ، والرحلة شارك في تصميمها علماء مصريين .



لأ يا فندم دي مش قصة خيال علمي من مهمات " رجل المستحيل "  ، هذا خبر حقيقي .  بتاريخ 12 نوڤمبر الماضي هبطت بالفعل مركبة فضائية تحمل هذا الإسم علي المذنب المعروف بإسم " 67 پي"  وأطلقت علي سطحه " إنسان ألي "  ، أو مسبار ، ليلتقط عينات ويقوم بأبحاث ويرسل نتائجه إلي كوكب الأرض .  المركبة من تصميم وتنفيذ وكالة الفضاء الأوروپية " إيسا " .
هل تعلم : أن إسم المركبة الفضائية هو
Philae
وهو إسم جزيرة " فيله "  المصرية التي تقع خلف السد العالي وتحمل فوقها أحد أهم معابد العصر البطلمي المصري ؟
هل تعلم : أن المسبار الألي إسمه
Rosetta
وهو الصيغة اللاتينية لإسم مدينة " رشيد "  المصرية ، وقد سمي بهذا الإسم تيمناً بحجر رشيد الشهير ، حيث كان الحجر سبباً رئيسياً في نجاح العالم الفرنسي شامبليون في فك طلاسم اللغة المصرية القديمة وكان ذلك بداية علم المصريات الذي أودي بنا إلي فهم أصول الحضارة المصرية القديمة أم جميع الحضارات ، كما يعلم كل طالب في إبتدائي ، وتقرر تسمية المسبار بهذا الإسم لأن من مهامه جمع معلومات تساعد العلماء في فهم أصول مجموعتنا الشمسية وتكون الكواكب حول الشمس .
هل تعلم : أن أحد الأجهزة المحملة علي المسبار إسمه
OSIRIS
وهو إختصار لكلمات
Optical, Spectroscopic, and InfraRed Remote Imaging System
وهو أيضاً إسم الإله المصري القديم " أوزيريس "  أو " أزار " ؟
هل تعلم أن هناك علماء مصريين شاركوا في تصميم وتنفيذ هذه الرحلة التاريخية ؟
هل تعلم أن هبوط " رشيد "  علي المذنب " 67 پي "  خبر قامت له الدنيا ولم تقعد ؟
إلا في مصر!‏
هل تعلم أنك لن تعلم كل هذا من الإعلام المصري ؟
ليه ؟
مش عارف ليه ، قولي إنت بقي .

هو إيه بقي النموذج القياسي للفيزياء إلي بيقولوا عليه ده؟


النموذج القياسي (أو المعياري) للفيزياء أو مايسمي بال
Standard Model
هو مجموعة كبيرة من النظريات الفيزيائية المتقاربة لبعضها البعض من حيث مكوناتها الرياضية والهدف منها تفسير طريقة عمل ثلاثة من القوي الطبيعية إلي بنشوفها حوالينا وهي كالتالي:

القوة الكهرومغناطيسية:
دي الوحيدة يمكن إلي رجل الشارع الغير متخصص ممكن يكون سمع عنها ، لأنه بيتعامل معاها كل يوم. أي لحظة تستخدم فيها جهاز كهربائي إنت بتتعامل مع القوة الكهرومغناطيسية. النظرية الأساسية التي تحكم عمل هذه القوة وضعها العالم الأسكتلندي الأشهر جيمس ماكسويل
في منتصف القرن التاسع عشر. الحقيقة ماكسويل ده حقه مهضوم في الشهرة. كلنا سمعنا عن أينشتين وعن نيوتن وإلي بيقروا شوية زيادة سمعوا عن هايزنبرج وپلانك مثلاً ، لكن قليل من غير المتخصصين سمع عن ماكسويل ، مع إننا ، إحنا بتوع الفيزيا ، بنعتبره من أعظم علماء الفيزياء في التاريخ جنباً إلي جنب مع أينشتين ونيوتن. يمكن مش مشهور علشان شغله كان فيه رياضيات تقيلة بتخلي حتي طالب العلوم ينام ويشخر في وسط المحاضرة ويطلع مش فاهم حاجة؟ يمكن. يا أخي ده أنا حتي لما بعمل جوجل لإسمه مابيطلعليش أول حاجة ، بيطلعلي بداله واحد مغني راپ أمريكاني!! حتي جوجل مش محترم ماكسويل.
ما علينا ، طيب ماكسويل ده عمل إيه؟ أولاً جمع كل المعادلات الرياضية إلي كانت موجودة قبله بتوصف الظواهر الكهربية (أيوة الكهربا إلي بتكهرب دي) والمغناطيسية (البتاع ده إلي بيشد المعادن) وحطها في صورة جديدة وصححها ونقحها وإستخرج منها مجموعة من المعادلات هي الأساس البحت لكل من الظاهرتين ، مثبتاً في ذلك تلات حاجات:
أولاً إن أي ظاهرة كهربية أو مغناطيسية تستطيع أن تستخرجها من هذه المجموعة الوحيدة من المعادلات ومش محتاج غيرها ، يعني زي ما بقول للطلبة بتوعي المعادلات دول جواهم التليڤزيون بتاع بيتكوا بس إنت مش واخد بالك.
ثانياً إن الكهربية والمغناطيسية وجهان لعملة واحدة ، وجود دي يسبب التانية والعكس. وده في حد ذاته إنجاز لأنه عمل توحيد مابين ظاهرتين كانوا قبليه منفصلتين تماماً.
ثالثاً أثبت نظرياً (وتم الإثبات معملياً لاحقاً بعد وفاته) أن الضوء نفسه (أيوة الضوء ، إلي بينور ده) ليس إلا موجات كهرومغناطيسية وفتح باب كبير للأبحاث التي تلته في مجالات دراسة الضوئيات وكانت سبب إختراع الراديو وغيره كتير.
يعني الراجل عمل شغل كبير جداً وخرجت من إيده نظرية كاملة لأحد أهم قوي الطبيعة. من غير النظرية دي كان زمان سيادتك لسة بتصحي الصبح تولع الشمعة أو لمبة الجاز. النظرية بتاعته إسمها
Maxwell's theory of Electrodynamics
ولما تحط معاها موضوع أخر إسمه ميكانيكا الكم تصبح
Quantum Electrodynamics
أو
QED
حنتكلم علي موضوع ميكانيكا الكم ده وأهميته تحت.

القوة النووية القوية:
أيوة إسمها كدة ، بالإنجليزي
Strong nuclear force
بس من سوء حظنا في اللغة إن "فورس" و"سترونج" كلمة واحدة في العربي. ما علينا. القوة دي سيادتك إنت مش بتتعامل معاها بصورة مباشرة ، لكن من غيرها ما كانش حيبقي ليك وجود أصلاً. لأن مجال عملها داخل نواة الذرة فقط ولا تخرج عنه بكثير. إحنا عارفين إن نواة الذرة جواها بروتونات ونيوترونات لازقين في بعض وما بينفصلوش. إتعلمنا كدة في ثانوي. بس إلي ما قالولهولناش هو لازقين في بعض إزاي؟ القوة إلي ماسكاهم في بعض هي دي القوة النووية القوية. والقوة دي مجال عملها قصير جداً ، يعني لو طلعت برة النواة وقبل ما توصل لأول إلكترون بيلف حوالين النواة تكون القوة دي ضعفت إلي الصفر تقريباً ولذلك ما إكتشافناهاش لغاية القرن العشرين لما التكنولوجيا سمحت لينا بالقياس جوة الذرة وجوة النواة. والقوة دي بتعمل علي مستوي أقل كمان من الپروتون والنيوترون. يمكن تكون سيادتك سمعت عن إن الپروتونات والنيوترونات جواها حاجات أصغر منها إسمها الكواركات
Quarks
الكواركات دي بقي هي إلي بتشد وتجذب مع بعض بإستخدام القوة النووية القوية ودي حاجة ما ظهرتش للتجارب بتاعتنا لغاية الستينيات من القرن العشرين.
أما النظرية الرياضية إلي مبني عليها أسس هذه القوة فهي نظرية إكتشفها عالمان إسمهم
Chen Yang
Robert Mills
في القرن العشرين ، وتعتبر نظرية يانج ميلز دي تعميم أكثر شمول من نظرية ماكسويل ، يعني هم شبه بعض رياضياً بس ممكن إعتبار نظرية ماكسويل حالة خاصة. وفيها أيضاً مجموعة من المعادلات تصف القوي النووية القوية في حالات معينة. في هذه الحالات تصبح نظرية يانج-ميلز ما نسميه ب
Chromodynamics
وهي ما يصف القوي النووية القوية بدقة. فاضل بقي زي ما عملنا في نظرية ماكسويل نحط ميكانيكا الكم ويبقي عندنا نظرية إسمها
Quantum chromodynamics
أو
QCD
ويبقي عندنا وصف تفصيلي جميل ودقيق إلي حد كبير لما يحدث داخل النواة بين هذه الكواركات. صحيح إن الكروموديناميكس دي أقل دقة من نظرية ماكسويل لكن قلة الدقة دي راجعة لأننا لسة بنشتغل فيها وفيه لسة أسئلة مفتوحة.

القوة النووية الضعيفة:
أنا عارف والله إنها أسماء مضحكة ، القوة النووية القوية والضعيفة ، لكن هي إسمها كدة حعملكوا إيه؟
Weak nuclear force
دي بقي قوة بتشتغل برضه داخل النواة ، وكما يبدو لينا كل فايدتها في الحياة إنها القوة إلي بتنظم ما نسميه بالإشعاع. إحنا عارفين إن بعض الذرات من وقت لأخر بتلفظ من جواها جسيمات ماشية بسرعة عالية ، دي المواد إلي بنسميها مشعة زي اليورانيوم مثلاً إلي بيستعمل في المفاعلات النووية والقنابل الذرية والراديوم إلي ليه تطبيقات طبية (أيوة بتاع مدام كوري ده) ، وكان السؤال هي الذرات دي بتلفظ هذه الإشعاعات ليه؟ القوتين الكهرومغناطيسية والنووية القوية المفروض يمسكوا في تلابيب الإشعاعات دي وما يسمحولهومش يطلعوا من الذرة. إلي أن إكتشفنا القوه النووية الضعيفة إلي كل شغلانتها إنها "تزق" الجسيمات دي برة النواة ومن هنا يولد الإشعاع. طيب هو الإشعاع ده لازمته إيه غير التطبيقات العسكرية والطبية بتاعته؟ أنا بقول إن لازمته إن من غيره ماكنتش سيادتك حتبقي موجود تقرا الكلام ده أصلاً ، لأن الإشعاعات دي هي المسئولة تاريخياً عن ما نسميه بالطفرات أو
mutations
وهو تغير التركيبة الذرية والجزيئية للمركبات الكيماوية التي ينتج عنها خواص جديدة للأحياء إلي بيحصل بينها نشوء وإرتقاء إلي بينتج عنه التطور إلي أنتج سيادتك وأنتجني. يعني من غير القوة النووية الضعيفة دي ما كانش حيبقي فيه حياة أصلاً.
عموماً مش قضية ، مش كل حاجة في الطبيعة لازم يكون ليها سبب أصلاً. المهم إن القوة دي هي ثالث قوة من قوي الطبيعة تشكل النموذج القياسي. المعادلات بتاعتها أيضاً مشتقة من معادلات يانج وميلز لكن تحت ظروف مختلفة. اللطيف في الموضوع إنه من حوالي أربعين سنة إكتشف ثلاثة علماء ، إثنان أمريكيان هم
Steven Weinberg
Sheldon Glashow
وواحد پاكستاني إسمه محمد عبد السلام ، إكتشفوا إن هناك طريقة لتوحيد القوة النووية الضعيفة مع نظرية ماكسويل وأصبح عندنا مجموعة من المعادلات توصف الظاهرتين مع بعض حتة واحدة ، ومن هنا ولدت نظرية إسمها
Electroweak model
نظرية الكهروضعيفة (سوري والله أنا أسف )  إلي بتجمع بين طياتها القوتين الكرومغناطيسية والنووية الضعيفة .

الثلاثة نظريات دول
Quantum electrodynamics
Quantum chromodynamics
Electroweak model (containing electrodyamics too)
هم إلي بنسميهم مع بعض كدة "النموذج القياسي أو المعياري للفيزياء" ، لأنهم كلهم علي بعضهم بيشتغلوا سوا لتفسير معظم ظواهر الكون. القوة الوحيدة إلي فاضلة مش موجودة في النموذج القياسي هي قوة الجاذبية ، ودي ليها نظرية منفصلة لوحدها إسمها " النسبية العامة "  أو
General theory of relativity
بتاعة عمنا ألبرت أينشتاين. طيب هو إحنا ليه ما حطيناش نسبية أينشتاين مع النموذج القياسي؟ لأسباب مختلفة ، مثلاً هناك عوامل مشتركة بين النظريات الثلاثة ماهياش مشتركة مع نسبية أينشتاين ، منها وأهمها هو إن النظريات الثلاثة مبنيين علي معادلات متشابهة ومتقاربة من بعضهها ، معادلات ماكسويل ويانج ميلز ، لكن النسبية قائمة علي معادلات مختلفة تماماً ولها أصول رياضية منفصلة ، والسبب التاني إن النظريات الثلاثة يخضعون لقواعد ميكانيكا الكم كما أوضحنا لكن نسبية أينشتاين لا تخضع لقواعد ميكانيكا الكم لسة. ولأنها نظرية مختلفة تماماً عن التلاتة التانيين ماحدش لسة عارف يدخل فيها ميكانيكا الكم إلي اليوم. السبب التالت هو إن الجاذبية ضعيفة جداً مقارنةً بالتلاتة التانيين ، ولذلك أي تجارب بتتعمل علي الذرات ومحتواها بتهمل الجاذبية تماماً لأنها ضعيفة ومستحيل تقريباً قياسها علي مستوي صغير ، ولذلك النظريات التلاتة بتوع النموذج القياسي شغالين كويسة في الذرة وما تحتها والجاذبية ما بتقمش بأي دور ( علي حد معرفتنا) .

طيب يا عم فاضل حاجة واحدة مش واضحة ، هي إيه ميكانيكا الكم دي وليه مهمة يعني؟ عمال تحشرها في كل حاجة من أول المقال ومسببالكوا مشكلة مع قوة الجاذبية وبتاع .  ما طناش وخلاص وقشطة وكل حاجة وسيبكوا من ميكانيكا الكم ومش ضروري تحشروها في كل حاجة كدة.
شوف سيادتك ، ميكانيكا الكم هي المعادلات الميكانيكية التي تحكم تصرف أي جسم علي مستوي صغير جداً جداً ، يعني أنا وإنت عارفين إن ميكانيكا نيوتن بتاعة تالتة ثانوي بتحكم تصرفات الحاجات إلي بنشوفها في حياتنا اليومية زي العربيات في الشارع وصواريخ الفضاء والهندسة بأنواعها وكل حاجة بتحصل حواليك تقريباً ، لكن علي مستوي الذرة وأقل من ذلك معادلات نيوتن لا تعمل ونستعيض عنها بما يسمي بميكانيكا الكم. ونظراً لأن معادلات النموذج القياسي كلها بتحكم الذرة وما تحتها فميكانيكا الكم مهمة جداً وإلا مش حنعرف نعمل حاجة. ولذلك بدون ميكانيكا الكم لا يوجد النموذج القياسي. أدي كل الحكاية.

بس يا سيدي أدي ملخص سريع جداً للنموذج القياسي أو المعياري " الستاندارد موديل. "  فاضل بقي تعرف إن هذا النموذج هو الأساس العلمي لكل ما تسمع عنه من أخبار جاية من مصادم الهادرونات مثلاً ، والإكتشافات إلي بتسمع عنها زي إكتشاف الهيجزأو الكوارك الخماسي كلها من معادلات النموذج القياسي.
يعني النموذج القياسي بيشكل ثلاثة أرباع (من غير الجاذبية) فهمنا للظواهر الكونية ، ده بالإضافة إلي إنه من غيره ماكانش حيبقي عندك حاجات زي الليزر أو الترانزستور أو الإلكترونيات الحديثة ولا حتي كان حيبقي عندك حاجة زي الإنترنت (قصة طويلة). يعني ماتجيش تقولي هو الكلام ده فايدته إيه أصلاً أحسن أنا زهقت من السؤال ده :- )

 ودمتم 

إقرأ الجزء الثاني هنا

هناك تعليقان (2):

  1. أشكرك على الشرح الشيق والممتع
    رد
  2. شكرا شرح جميل واضح بلغة ممتعة
    رد

طاقة اللاشيء والكارثة الفراغية


في مقال سابق (هنا)  إتكلمنا علي الثابت الكوني وكيف إنه أفضل التفسيرات الموجودة لتسارع الكون .  ملخص الكلام إن الكون بتاعنا بيتمدد بدرجة متسارعة يعني بيزيد في تمدده كل لحظة ، ودي مشكلة لأن معني كدة إن فيه طاقة مجهولة في الفضاء ، بيسموها " الطاقة المظلمة "  ، بتعكس تأثير الجاذبية إلي بتحاول تصغر الكون ، وبتزيد عليها و " بتزق "  الكون وتزيده تمدداً .
السؤال بقي هو إيه مصدر الطاقة المظلمة دي ؟
هل هي نوع جديد من الطاقة ما نعرفوش ؟ هل هي قوة خامسة ( شوف الأربعة الأولانيين هنا) ؟ هل هي حاجة إحنا عارفينها بالفعل بس مش فاهمين تطبيقها إيه علي الكون كله ؟

الحقيقة السؤال ده لسة مالوش إجابة قطعية مية في المية ، ولكن هناك شبه إتفاق إن أفضل المرشحين للطاقة الكونية هو حاجة إسمها " طاقة الفراغ "  أو " طاقة اللاشيء "
Vacuum energy
ومن أسماءها أيضاً " طاقة الصفر"
Zero point energy
الطاقة العجيبة دي مرشحة لأن تكون هي الطاقة المظلمة المتسببة في تسارع الكون ، لأن هذا النوع من الطاقة ، إلي حنتكلم عنه حالاً ، هو الوحيد المعروف لينا له الخواص المطلوبة .

طيب إيه  بقي حكاية طاقة الفراغ دي ؟ الفراغ ليه طاقة إزاي يعني ؟ أمال يبقي فراغ إزاي ؟

الموضوع بيرجع لميكانيكا الكم ولنظريات المجال الكمية.  من الخواص العجيبة لميكانيكا الكم هو إن كل ظاهرة فيزيائية تأتي في صورة " كميات "  محددة .  بمعني ، كمثال تخيل معايا إنك جبت كباية مليانة مية ودلقتها علي إيدك .  المية بالنسبالك عبارة عن مادة " مستمرة "
Continuous
تبدو ليك وليا كما لو كان لا مكونات لها ، وإنك لو حبيت تقلل كمية المية تقدر تقللها إلي مالا نهاية وستظل مية زي ماهي إلي أن تنتهي تماماً .  لكن إحنا عارفين إن ده مش حقيقي ، الواقع إن المياه مكونة من جزيئات صغيرة جداً وإنك لو قعدت تقلل كمية المياه إلي في إيدك ستصل إلي مستوي لا تستطيع فيه التقليل أكثر من ذلك ، مستوي الجزيئات .
ده شيء معروف لأي طالب ثانوي ، لكن الشيء المذهل إن هناك ظواهر أخري في الدنيا أيضاً مكونة من كميات ضئيلة جداً ولكن ليست لامتناهية في الصغر ، منها الطاقة مثلاً .  ميكانيكا الكم تعلمنا إن هناك كمية أقل للطاقة لا نستطيع أن تقل عنها  ( وده مصدر الإسم ، ميكانيكا الكم أو الميكانيكا الكمية) .  يعني مافيش حاجة إسمها الطاقة تساوي صفر .  حتي في الفراغ إلي المفروض مافيهوش حاجة خالص  ، فراغ ، لا شيء ، ومع ذلك يحتوي علي طاقة ، صحيح قليلة جداً لكنها موجودة .  هي دي طاقة الفراغ .
الكلام ده مش نظري ، هذه الطاقة تمت دراستها معملياً مئات المرات ، وأشهر التجارب إلي إتعملت عليها تجربة قام بيها واحد إسمه كازيمير
Casimir

إذاً هذه الطاقة موجودة في الكون بين المجرات والأجرام  بكميات كبيرة.  ومن خصائصها زي ما قلنا إنها بتشتغل عكس الجاذبية وتتسبب في دفع الكون وتسارعه .  ولذلك الطاقة الفراغية دي هي المرشح الرئيسي للطاقة المظلمة .

بس فيه مشكلة .  مشكلة من كتر ماهي مشكلة الناس سموها أسوأ تنبؤ في تاريخ الفيزياء .  المشكلة إن كم طاقة اللاشيء الموجودة في الفراغ وتم حسابه بإستخدام ميكانيكا الكم وتم قياسه في المعامل أكبر بكتير جداً جداً جداً من الطاقة المطلوبة لتسارع الكون  ، يعني أكبر بكتير من الثابت الكوني إلي تم رصده.  والفرق بينهم كبير بحيث من المستحيل تفسيره علي إنه خطأ في التجارب أو الرصد . فرق مهول  ( حاجة بتاعة واحد وجنبها مئة صفر!‏!‏!‏ متخيل الرقم ؟) .  المشكلة دي معروفة في الأوساط العلمية بإسم "الكارثة الفراغ ية"
The vacuum catastrophe
و أحياناً " مشكلة الثابت الكوني "
The cosmological constant problem

طيب نعمل إيه ؟ مانقدرش نقول إن طاقة اللاشيء لا وجود لها لأن قياسها تم معملياً بالفعل ، ومانقدرش نقول إنها موجودة ولكنها ليست مصدر تسارع الكون لأن معني كدة إن هناك شيء يلغيها بالكامل ويتبقي عندنا مشكلتين : الأولانية : ماذا يلغي طاقة اللاشيء ، والثانية هي نفس المشكلة الأصلية  ماحليناهاش: لماذا يتسارع الكون .  
 الحل المنطقي إذاً هو أن طاقة اللاشيء هي بالفعل مصدر تسارع الكون ، لكن هناك شيء ما أخر مجهول يقلل منها كثيراً ولكن لا يلغيها بالكامل  ، فيتبقي منها فقط ما يكفي لتفسير المعدل الحالي لتسارع الكون.  وإلي بيخلي الكلام ده منطقي أكثر بالنسبالي أنا علي الأقل هو إن هناك فترة في تاريخ الكون حصلت بعد الإنفجار العظيم مباشرة إسمها فترة " التضخم "
Inflation
تمدد فيها الكون بمعدل تسارع ضخم جداً ، كما لو كانت طاقة الفراغ وقتها كانت مسيطرة بالكامل ، بدون أن يلغيها شيء لمدة كسر من الثانية ، وبعدين فيه حاجة إبتدت تأثر عليها وتلغيها  ، وإنخفض تسارع التمدد جداً إلي المعدلات الحالية.  من المنطقي إذاً إن طاقة الفراغ تكون مسئولة عن تمدد الكون في جميع مراحله .  الكلام الأخير ده عن التضخم هو رأيي الشخصي علي فكرة ، وهو جزء من إهتمامي البحثي ( ليا بحثين في الموضوع ده لغاية دلوقتي ، هنا وهنا - شوية دعاية شخصية بقي ، هو أنا يعني مالياش نفس ؟) .
( ملحوظة جانبية : التضخم كان من السرعة بحيث أن حجم الكون تضاعف 100000000000000000000000000 مرة ، 26 صفر ، في فترة زمنية لا تزيد عن 0.00000000000000000000000000000000001 من الثانية ، 34 صفر ، تقريباً .  ركز كدة .  إنت متخيل الأرقام دي ؟ )

عموماً أياً كان الحل فمافيش شك إن إحنا في مرحلة عظيمة في تاريخ العلم ، إحنا بندرس الكون كله علي بعضه ، بنحاول نعرف أصلنا وفصلنا ، جينا منين ورايحين فين ، وليه وإزاي ، فيه حاجة أحسن من كدة ؟

هناك تعليقان (2):

  1. كلام جميل وفكرة تضمين لينكات الموضوعات القديمة فى الموضوع كانت فكرة عظيمة فادتنى كتير
    رد
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.
    رد